Sunday, July 28, 2013

العودة إلى الحارات القديمة - تصحيح بعض المفاهيم والمعلومات عن تاريخ مدينة جدة القديمة ومعالمها


مسار الجزء الغربي من السور

مقدمة

في خلال السنوات القليلة الماضية طفت على سطح الحراك الثقافي والإجتماعي في مدينة جدة ظاهرة الكتابة عن تاريخها ونشر صور قديمة وحديثة للمنطقة التاريخية والدعوة إلى المحافظة على تراثها العمراني سواء في مؤلفات مطبوعة أو مقالات في الصحف اليومية أو على صفحات أوساط التواصل الإجتماعي وخصوصا "الفيسبوك". وللأسف الشديد أن في بعض ما يكتب أو يعرض ترد أخطاء تاريخية سببها نقل معلومات خاطئة من مصادر غير معروف عنها الدقة في توثيق ما تذكره من معلومات أو ما تعرضه من صور قديمة وحديثة وهي إن دلت فإنما تدل على غياب المنهجية العلمية في التأكد من صحة مايكتب عن تاريخ مدينة جدة وما يعرض من صور قديمة للمنطقة التاريخية وتوثيق مراجع المعلومات أو الصور التي يتم نشرها. وهذه ظاهرة لو تركت بدون مراجعة أو تصحيح لأختلط الأمر على الجيل الحاضر والأجيال القادمة ولضاعت معالم الإرث الحضاري الذي خلفه لنا الآباء والأجداد.

موضوع هذه المقالة

 موضوع هذه المقالة هوعن مسار الجزء الغربي من السور وعلى وجه الخصوص الجزء الجنوبي منه والذي فيما يبدو أن هناك بعض اللبس بشأنه من واقع ما ورد في بعض المؤلفات الأجنبية والمحلية التي يجري تبادلها محليا دون إدراك لبعض الأخطاء فيها. ونخص بالذكر هنا خريطة ناللينو (شكل رقم ٣) وخريطة جدة القديمة (شكل رقم ٤) أدناه. وبداية نذكر نبذة مختصرة عن تاريخ بناء السور وحالته في مطلع أربعينات القرن العشرين الميلادي.

سور جدة وبواباته في مطلع أربعينات القرن العشرين الميلادي


بقيت جدة حتى عام ١٣٥٩هـ ( ١٩٤٠م)  على وجه التقريب داخل سور يحيط بها من جهاتها الأربعة إحاطة السوار بالمعصم  أمر ببنائه السلطان أبو النصر قانصوه الأشرف الغورى الجركسي الجنس وهو آخر سلاطين المماليك البرجية في مصر عام ٩١٧هـ (١٥٠٩م)  لحمايتها من غارات الغزاة البرتغاليين في سعيهم إلى السيطرة على الملاحة في البحر الأحمر. وكلف السلطان أحد قادته المدعو سعيد الكردي بالمهمة والذي قام بتسخير الأهالي، أكابرهم وصغارهم، لبناء السور. وتخلل السور حتى بداية العهد السعودي (٧) بوابات ربطت جدة بالعالم خارجه. ومن المؤكد أن هذه البوابات السبعة بنيت على مراحل وفق الحاجة. وفي بداية العهد السعودي أضيفت بوابة ثامنة مزدوجة بعرض كاف يسمح بمرور السيارات عبرها بسهولة على الجزء الشمالي من السور. ومن بين بوابات السورالثمانية هناك ٤ بوابات تقع على الجزء الغربي من السور الذي إمتد من مبنى البحرية في الركن الشمالي الغربي من السور وإلى نقطة تلاقيه مع الجزء الجنوبي شرق الموقع الحالي لبرج الحاج عبد الله علي رضا وشركاه مباشرة  على وجه التقريب. وبينما بقيت الأجزاء الجنوبية والشرقية والشمالية على حالها حتى عام ١٩٤٧م عندما هدم السور بأكمله فإن الجزء الغربي من السور تعرض إلى تغييرات عدة وعلى مراحل أولها فتح الجزء الغربي من شارع الملك عبد العزيز ربما في نهائيات ثلاثينات وبداية أربعينات القرن الميلادي الماضي، وإزالة أجزاء كبيرة منه، خاصة في النصف الجنوبي لتسهيل حركة التنقل بين البلد والمنشآت الحكومية القائمة على الساحل (البنط والكرنتينا وخفر السواحل).

مسارالجزء الغربي من السور

 

يظهر مسار الجزء الغربي من السور في العقد التاسع من القرن التاسع عشر الميلادي (حوالي عام ١٨٨٤م) في الخارطة المبينة في الشكل رقم (١) أدناه  باللون الأحمر والتي تفضلت الدكتورة إولريكي فريتاج (Ulrike Freitag ) مديرة مركز الدراسات الشرقية الحديثة في معهد الدراسات الإسلامية بجامعة برلين الحرة بتزويدنا بنسخة منها. كما يظهر هذا المسار في كروكي رسم عام ١٩٣١م وهو من ضمن مجموعة الأوراق الخاصة للسير أندرو رايان (Sir Andrew Ryan) المحفوظة في مركز الشرق الأوسط بكلية سانت أنتوني بجامعة أكسفورد. وكما هو واضح في الشكلين رقم (١) ورقم (٢) أن مسار الجزء الغربي من السور ما بين مركز البحرية شمال جدة ونقطة إلتقائه بالجزء الجنوبي من السور يتخذ شكل الحرف اللاتيني (S) المنبسط ويتفق مع التفاصيل الظاهرة في الصورة الجوية المائلة لمدينة جدة عام ١٩٣٨م المبينة أدناه. إلا أنه لابد من الإشارة هنا أن موقع الجازخانة (Petrol Store) الظاهر في شكل رقم (٢) خارج السور () هو موقع خاطئ والأقرب إلى الواقع هو الموقع المبين في الشكل رقم (١) بإسم (Ghazhane) والظاهر في الصورة الجوية لجدة عام ١٩٣٨م (). ونود أن نكرر هنا أن هذا البحث ينصب أساسا على مسار الجزء الغربي من السور فقط وذلك على ضوء ما نتذكره وما ورد في الوثائق الثلاثة المبينه أدناه.

شكل رقم ٢- رسم كروكي لأهم معالم جدة عام ١٩٣١م
شكل رقم ١- مخطط جدة حوالي عام ١٨٨٤م




صورة جوية لجدة عام ١٩٣٨م


 

مخطط ناللينو (شكل رقم ٣)

شكل رقم ٣- مخطط جدة - ناللينو عام ١٩٣٨م
ورد هذا المخطط في كتاب ألفه المسستشرق الأيطالي السيد/ كارلو ألفونسو ناللينو (C. A. Nallino)  بعنوان "L'Arabia Saudiana" بعد زيارة قام بها للمملكة عام ١٩٣٨م إستغرقت شهرين وتوفي بعدها بحوالي (٤) شهور. وقامت إبنته ماري ناللينو بمراجعة مسودة الكتاب ونشره. وفي هذا المخطط يظهر الجزء الشمالي لمسارالسور غير مكتمل كما يظهر الجزء الجنوبي مرتبطا بساحة البنط وهو وضع غير صحيح كما هو واضح في الصورة الجوية أعلاه حيث تظهر منشئات البنط (X) إلى الغرب من مسار السور.

 







شكل رقم ٤- مخطط جدة - المصدر كتاب "جدة القديمة" لتلمساني وزملائه

مخطط جدة (شكل رقم ٤)

نشر هذا المخطط في كتاب "جدة القديمة" الذي صدر في عام ١٤٣٠هـ ولم يذكر في الكتاب أي مرجع له وبالتالي لابد أن نفترض أن الكتاب هو المصدر الأساسي له. وأخذ هذا المخطط كمرجع في العديد من المناسبات العامة كان آخرها محاضرة عن التراث العمراني لمدينة جدة ألقيت في بيت نصيف من ضمن برنامج النشاط الثقافي الثاني لجمعية المحافظة على التراث العمراني لمدينة جدة. وكما هو واضح في هذا المخطط عدم إكتمال مسار الجزء الشمالي كما أن الجزء الجنوبي يظهر بعيدا عن موقعه الفعلي على نحو يعطي إنطباعا خاطئا عن جغرافية الجزء الجنوبي الغربي من جدة القديمة (حارة البحر) وعلاقتها بالمنطقة الساحلية الواقعة خارج السور كما هي ظاهرة في الصورة الجوية المبينة أعلاه.


Tuesday, July 23, 2013

العودة إلى الحارات القديمة - البيت االكبير

 العودة إلى الحارات القديمة

البيت الكبير

البيت الكبير

عندما توفي جدي بكر أحمد أبوبكر عام ١٣٣٨هـ ترك لإبنائه الستة، ومن بينهم والدي  الذي كان قاصرا في ذلك الوقت، وبناته الأربعة، ثلاثة منهن شقيقات للوالد، وزوجته التي كانت على ذمته وقت وفاته (رحمة الله عليهم جميعا)، من بين ما ترك، بيتا  ورثه عن أبيه أحمد الذي ورثه عن أبيه أبو بكر عرف في أوساط العائلة بالبيت الكبير.
صورة لجزء من صك الإرث
  
 ويقع البيت على الواجهة البحرية في حارة البحر(كما هو ظاهر في الصورة أدناه v) شرق مستودع الجاز (الجازخانة)، وكان يبعد عن السور الغربي مسافة ثلاثين مترا تقريبا، وله ثلاث واجهات: شامي/ بحري/يماني ومدخلين: بحري وشامي. في ذلك الوقت كانت الأسر الجداوية التي تسكن في ملكها قلة لاتتجاوز نسبتهم ١٥٪ من مجموع الأسر المقيمة داخل السور.

أملاك آل بكر في حارة البحر ومن بينها البيت الكبير (v)




وللبيت الكبير مدخلان: مدخل بحري يطل على برحة غربية، ومدخل شامي يطل على برحة بيت أبوبكر، وبيتا درج: الدرجة "الضلام" وتقع في قلب البيت وليس لها فتحات إضاءة خارجية، ومن هنا جاء الوصف "الضلام" أو الظلام، والدرجة "النور" وتقع في الركن الجنوبي الشرقي من البيت ولها فتحات إضاءة في الواجهة الجنوبية. 
ويتكون البيت من أربعة أدوار: دور أرضي يحتوي على دهليزين: بحري و شامي، وثلاثة مقاعد إحداها كان بمثابة مجلس للعم حسن بكر يجتمع فيه مع إخوته وبعض رجال المعادي والمقعدان الآخران كانا بمثابة مطبخين أحدهما للعم عبد الله بكر وعائلته والآخر للعم حسين بكر وعائلته. أما الدورالأول فيحتوي على ثلاث شقق متفاوتة المساحات، كل شقة تتكون من صفة واحدة وكشك (مجلس) وحمام (بيتلمه) ويسكن في هذا الدور كل من العم أحمد بكر وعائلته والعم عبد الله بكر وعائلته ومطلع هاتين الشقتين من الدرجة "الضلام"والعم حسين بكر وعائلته ومطلع شقته من الدرجة "النور" ، والدور الثاني ويحتوي على شقتين: شقة صغيرة بواجهتين: بحرية وجنوبية وتتكون من صفة وكشك (مجلس) وحمام (بيتلمه) ومطلعها من الدرجة "الضلام" مرورا بخزينة الفحم، سكنها إبن العم يوسف صالح بكر وعائلته لفترة ثم سكناها نحن كونها أساسا هي من نصيب الوالد في إرث والده وكان قاصرا عند وفاة والده، وشقة كبيرة تحتل الواجهة الشامي لهذا الدور بأكملها والجزء الشمالي من الواجهة البحري وتتكون من ثلاثة صفات: الصفة "البحري" وملحق بها حمام (بيتلمه) ولهامطلع من الدرجة "الضلام"، والكشك (المجلس) والصفة "الوسطانية" والصفة "البرانية" وملحق بها حمام وسكنها العم حسن بكر وعائلته ومطلعها من الدرجة "النور". أما الدور الثالث فثلثه مسقوف ومعزول وهو عبارة عن شقة تعرف بإسم "المبيت" سكن فيها العم الأكبر صالح بكر وعائلته، كما كانت هناك غرفة مسقوفة للغسيل ومطلعها من الدرجة "النور" ولها فتحة على السطوح. والثلثان الآخران عبارة عن السطوح ودور رابع  فوق بيت الدرج كسطوح أعلى.


صورة للواجهة البحرية لحارة البحر (ربما في نهاية عشرينات القرنن الميلادي الماضي) ملتقطة من الركن الجنوبي الغربي للحارة وتظهر فيها قافلة من الجمال محملة ومتجهة ناحية باب شريف ويظهر خلف مقدمة القافلة الجزء الغربي من بيت الشيخ/ سليمان أبوداوود يليه بيت درويش ثم البيت الكبير (}


لم نعثر على صورة واضحة للبيت وأقرب ما عثرنا عليه هو الصورة الظاهرة أعلاه (من مجموعة فيلبي)،  حيث يظهر الجزء الأمامي من البيت برواشينه على حافة الربع الأيسر من الصورة () كما يظهر في الصورة أيضا، على اليمين، الجزء الأمامي (الغربي) من بيت الشيخ/ سليمان أبوداوود ويليه بيت حسوبة الذي آل فيما بعد إلى بيت درويش والذي إستأجرته وزارة الخارجية ليكون مقرا لها فترة من الزمن ثم آل بعد ذلك لملك العم حسن بكر.

البرحة الشمالية أمام البيت الكبير "برحة بيت أبو بكر" ويظهر بيت السمكري إلى اليسار وجزء من زاوية الشاذلية إلى اليمين وخلفهما مبنى حديث نسبيا بناه البنك الأهلي التجاري وشغلته وزارة المالية لفترة والمحكمة لفترة أخرى وهو مازال قائما حتى الآن
وكان موقع البيت موقعا متميزا من حيث إطلالته على البحر، ولو من على بعد، وكونه محاطا بثلاث برحات من جهات الشمال والغرب والجنوب. وفي المناسبات التي ترسو فيها إحدى البوارج الحربية البريطانية في ميناء جدة  كنا نصعد على درجة السطوح الأعلى في المساء لمشاهدة الألعاب النارية التي كانت تطلقها البارجة.
ومع مرور الزمن كبرت العوائل وتزوج الأبناء وضاق البيت عليهم فخرجوا إلى مساكن حديثة وواسعة شيدوها في ضاحية الهنداوية جنوب جدة وكنا آخر من غادر البيت إلى فيلا صغيرة بناها الوالد في ضاحية القريات جنوب الهنداوية. وعلمت فيما بعد أن ملكية البيت قد آلت إلى العم حسن بكر الذي إشترى حصص إخوته فيه. وكان آخر عهدي بهذا البيت عندما سافرت إلى القاهرة في نهاية عام ١٩٥٥م في بعثة لإستكمال دراستي الثانوية ثم الجامعية. وعندما جئت في زيارة لجدة عام ١٩٧٢م من الرياض حيث كان مقر عملي مررت بموقع البيت فرأيت حوشا في نفس المكان وفهمت من إبن العم محمد حسن بكر أن البيت قد أزيل من قبل الأمانة من ضمن ما أزيل من البيوت في حارة البحر ودخل معظمها ضمن موقع مبنى فرع مؤسسة النقد ومواقف سياراتها كما هو مبين في الصورة أدناه.

قطاع من صورة حديثة من القمر الصناعي لمدينة جدة يظهر فيها الموقع التقريبي ل"البيت الكبير" في الوضع الحاضر جنوب مبنى فرع مؤسسة النقد بجدة وبالتحديد في الركن الجنوبي الغربي لمواقف سيارات المؤسسة ()
صورة حديثة للواجهة "البحرية" السابقة لحارة البحر تظهر فيها مواقف سيارات فرع مؤسسة النقد ومبنى الفرع وموقع البيت الكبير في الركن الجنوبي الغربي للمواقف