Sunday, February 15, 2015

متحف البنط - متى يصبح الحلم حقيقة؟

متحف البنط - متى يصبح الحلم حقيقة؟


مقدمة:

كثيرا ما يحز في نفسي كلما أرى صورة للبنط (ميناء جدة القديم) سواء في وقت مجده أو وقت أفوله بسبب إنتقال أعماله إلى الميناء الجديد جنوب جدة، أو لما تبقى منه من أطلال تشهد على النهاية الحزينة لمصدر عز جدة كمعبر للحجاج والأرزاق لمكة المكرمة ومستودع تجارة شبه القارة الهندية مع آوروبا في العهود السابقة لعصر السفن البخارية وإفتتاح قناة السويس. وكثيرا ما أتساءل كيف إنتهى هذا الدور الهام في تاريخ مدينة جدة في طيات النسيان خاصة وأنه يحسب لشريحة من أبناء مدينة جدة الذين عملوا في البنط إبتداء من عمال الفرضة وحتى شيوخ طائفة المعادي.

صورة رقم ١ - الإسكلة وجمرك الحجاج في أوائل الخمسينات الميلادية


صورة رقم ٢ - الإسكلة وجمرك الحجاج عام ١٩٦٢م

بقايا البنط:

قبيل ما يزيد عن ١٠ سنوات مررت بطريق الصدفة على أطلال جمرك الحجاج، وهي كل ما تبقى من منشآت البنط، وآلمني أن أراها وقد تحولت إلى مواقف لسيارات موظفي الأمانة. كمالاحظت أرضا ملاصقة من الجهة الغربية عليها علامات تدل على أنها تابعة لإدارة البريد وهي أيضا مستخدمة كموقف سيارات. ساعتها تمنيت لو أنه كان بالإمكان ترميم هذا المبنى وضم قطعة الأرض الملاصقة ليكون متحفا يسمى "متحف البنط" يحكي قصة البنط وطائفة المعادي.



صورة رقم ٣ - واجهة بقايا جمرك الحجاج في نهاية عام ٢٠٠٤م

بعد حوالي ثلاتة أيام ذهبت لمكتب معالي الأمين وشرحت له الفكرة فأبدى ترحيبا بها ووعدني خيرا. وقد سعيت من جهتي لدى الهيئة العامة للبريد بشأن قطعة الأرض المجاورة. والحق يقال أن الهيئة أبدت تفهما للموضوع ووافقت من حيث المبدأ التنازل عن قطعة الأرض للأمانة لقاء أن تعوضهم الأمانة بقطعة أرض مماثلة في موقع آخر فوعدني معاليه بأن الأمانة ستستكمل الإجراءات اللازمة في هذا الخصوص. ومضت الأيام والسنين وأنتقل المهندس عادل فقيه في عام ٢٠١٠م من الأمانة ليتولى منصب وزير العمل وبقي الحال على ما هو عليه وعاد منسوبي الأمانة إلى إستخدام المبنىي كموقف لسياراتهم وبقيت قطعة الأرض الملاصقة موقفا لسيارات موظفي البريد. ليس هذا فحسب  بل قامت إحدى إدارات الأمانة بوضع يافطة على أعلا نقطة في المبنى من نوع "نحن هنا". من كل هذا يمكن القول أن ليس في الأمانة مسؤول يعلم ما يمثله هذا المبنى في تاريخ مدينة جدة حسبما سنبينه في الموضوعين التاليين.



صورة رقم ٤ - واجهة بقايا جمرك الحجاج في مطلع عام ٢٠٠٥م

في ٢٠٠٥/٣/٧م عين المهندس عادل محمد فقيه أمينا لمدينةجدة خلفا للمهندس عبد الله المعلمي. وشاءت الظروف أن ألتقي معه أثناء زيارة قام بها في مطلع عهده للمبنى الذي أطلقت عليه الأمانة إسم "متحف باب البنط". ذكرت له فكرتي بالنسبة لهذا المبنى والأرض الملاصقة له من جهة الغرب فطلب مني أن أمر عليه في الأمانة للحديث في الموضوع بشكل مفصل.               


صورة رقم ه - الواجهة الشمالية لبقايا جمرك الحجاج بعد ترميمها



بعد حوالي ثلاتة أيام ذهبت لمكتب معالي الأمين وشرحت له الفكرة فأبدى ترحيبا بها ووعدني خيرا. و سعيت من جهتي لدى الهيئة العامة للبريد بشأن قطعة الأرض المجاورة. والحق يقال أن الهيئة أبدت تفهما للموضوع ووافقت من حيث المبدأ على التنازل عن قطعة الأرض للأمانة لقاء أن تعوضهم الأمانة بقطعة أرض مماثلة في موقع آخر. وأخبرت معالي الأمين بما توصلت إليه مع إدارة البيرد فوعدني معاليه بأن الأمانة ستستكمل الإجراءات اللازمة في هذا الخصوص. ومضت الأيام والسنين وأنتقل المهندس عادل فقيه في عام ٢٠١٠م من الأمانة ليتولى منصب وزير العمل وبقي الحال على ما هو عليه وعاد منسوبوا الأمانة إلى إستخدام المبنىي كموقف لسياراتهم وبقيت قطعة الأرض الملاصقة موقفا لسيارات موظفي البريد. ليس هذا فحسب  بل قامت إحدى إدارات الأمانة بوضع يافطة على أعلا نقطة في المبنى من نوع "نحن هنا".

صورة رقم ٦ - منظر واجهة بقايا جمرك الحجاج و الأرض الملاصقة لها عام ٢٠٠٨م

عملية ترميم أخرى:

بعد مرور عشر سنوات على عملية الترميم التي تمت في أواخر عهد أمين جدة السابق معالي المهندس عبد الله المعلمي ظهرت في الموقع بوادر عملية ترميم أخرى من غير الواضح أبعادها ومداها والهدف منها. كما أن هناك دلالات على الموقع توحي بأن الأمانة ربما قد إستحوذت على قطعة الأرض الملاصقة.



صورة رقم ٧ - منظر واجهة بقايا جمرك الحجاج  وجزء من الأرض الملاصقة في مطلع عام ٢٠١٥م


إن هذا الموقع يعتبر ملائما جدا كنواة لإنشاء متحف البنط. وياحبذا لو إضيفت إليه قطعة الأرض الملاصقة من جهة الغرب. ولا أريد أن أكون متفائلا بأن هدف الأمانة من عملية الترميم هذه يتعلق بحلمي بمتحف للبنط ولكن من يدري؟ وأرجو أن يكون أحد أول الأهداف هو تغيير المسمى 
من "متحف باب البنط" إلى "متحف البنط" وذلك لأسباب عدة أولها أن البنط أولى بالذكر والتوثيق من بابه.


صورة رقم ٨ - أبعاد عناصر الواجهة الغربية لبقايا مبنى جمرك الحجاج أعدها الدكتور مصطفى جعفر صباغ.




صورة رقم ٩ - أبعاد العناصر الأفقية لبقايا مبنى جمرك الحجاج أعدها الدكتور مصطفى جعفر صباغ

Wednesday, February 11, 2015

التغيير في الواجهتين الشمالية والشرقية لحارة الشام بين عهدين ١٩٢٧م - ١٩٤٨م

التغيير في الواجهتين الشمالية والشرقية لحارة الشام بين عهدين
١٩٢٧م - ١٩٤٨م
(تحليل بإستخدام الصور الجوية)



 مقدمة:

هناك مثل صيني قديم بما معناه "صورة واحدة تغني عن عشرة ألاف كلمة". وحيث أن تاريخ جدة في المئتي عام الأخيرتين خال من وصف الناحيتين العمرانية والإجتماعية  فسوف نطبق هذا المثل في هذه المقالة التي تعني بتوثيق بعض التغييرات التي طرأت على الواجهتين الشمالية والشرقية للبلد خلال الفترة مابين عامي ١٩٢٧م  و ١٩٤٨م. وهذا الأمر، إستخدام الصور في التوثيق، يتطلب معرفة جيدة بقراءة الصور بالأضافة إلى إلإلمام الكافي بالطبيعة الجغرافية والإجتماعية للمنطقة موضع الدراسة.




      صورة رقم ١- صورة جوية مائلة، من إرتفاع منخفض ألتقطت من الركن الشمال الشرقي ألثقطت عام ١٩٢٦م

نظرة عامة على إطلالة الواجهتين في عام ١٩٢٦م:

إذا ما نظرنا إلى الصورة رقم (١) أعلاه لا بد أن نتساءل أولا عمن إلتقطها ولمن كانت الطائرة التي ألتقطت منها؟ أغلب الظن أنها طائرة تابعة للبحرية البريطانية أقلعت من بارجة بريطانية راسية أمام جدة . وبإستعراض الصورة نفسها نري أن الواجهة الشرقية تطل على الكدوة المعروفة بإسم كدوة عواد، وهي مرمى للزبالة لتلك المنطقة في ذلك الوقت. كما أن الواجهة الشمالية تطل على ما أصبح فيما بعد جزءا من شارع الملك غبد العزيز الدائري ويليه السور وبوابته الوحيدة في ذلك الوقت، باب المدينة المواجه لحديقة مقر القائمقام. كما يلاحط عدم وجود سيارات، و ربما أن السبب يرجع إلى أن عدد السيارات في جدة لم يكن ليتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة.. إلا أن الأغرب من كل هذا أن الصورة لا يظهر فيها أي نوع من الحركة سواء من الناس أو الدواب! ولما كان تاريخ هذه الصورة يأتي بعد عام أوآقل من بداية العهد السعودي يمكن القول أنها تعكس، إلى حد كبير، وضع هذه المنطقة على وجه الخصوص، ومدينة جدة على وجه العموم، في نهاية العهد الهاشمي.

الواجهة الشرقية:

تحد حارة الشام من جهة الشرق الكدوة (كدوة عواد). وفي عام ١٩٢٦م لم تكن الكدوة قد عمرت بعد (صورة رقم ١). ويظهر في هذه الصورة جزء من الواجهة الشرقية ينتهي ببيت الدخاخني. ويتكون هذا الجزء من الواجهات الشرقية (الخلفية) للبيوت التالية، من الشمال إلى الجنوب وتمتد حتى بيت الدخاخني في الجنوب:

  • رباط الخنجي الصغير
  • بيت الشريف عبد الإله مهنا
  • بيت سفيان باناجه
  • حوش تابع للسيد محمد اللبان شرق رباط الخنجي الكبير.

ويمتد الجزء الجنوبي من هذه الواجهة الغير ظاهر في الصورة جنوبا حتى مخرج شارع أبو عنبة على الكدوة.

الواجهة الشمالية:

بإستثناء ما يشبه إستراحة أمام بيت الشريف عبد الإله مهنا الثاني والذي أشتراه من عائلة اللدروبي هناك إرتداد ملحوظ في الثلث الشرقي من الواجهة الشمالية ينتهي بحوش مسور أمام بيت الهزازي. ثم هناك إرتداد آخر يبدأ من مقر القائمقام وينتهي عند مبنى القنصلية البريطانية. ويلاحظ هنا غياب ثلاثة من معالم الواجهة الشمالية المشهورة وهي:
  • بيت زينل
  • بيت الشريف عبد الإله مهنا الثالث
  • بيت باجنيد (بيت أميريكاني)
  • مقر القنصلية الهولندية (زينل)


صورة   رقم ٢ - مقطع من صورة جوية مائلة عام ١٩٣٦م تظهر فيها الواجهة الشمالية إبتداء من الركن الشمالي الغربي للبلد وحتى الجزء الغبي من الكدوة  شرقا. كما يلاحظ هنى مبنى البحرية (مركز الشرطة) عند إلتقاء السور الغربي بالشمالي أسفل الصورة


التغييرات التي طرأت على الواجهتين الشمالية والشرقية خلال الفترة من ١٩٢٦م وحتى ١٩٣٦م من واقع الصورة رقم (٢):

نبدأ تحليلنا بذكر شيء هام عن هذه الصورة وهي مقطع من صورة نشرت نسخة منها في كتاب عن جدة للمستشرق الإيطالي أنجيلو بيشي (Angelo Pesce) حيث يذكر المؤلف أن الصورة قد ألتقطت عام ١٩٤٠م. إلا أننا نعتقد أن الصورة قد ألتقطت عام ١٩٣٦م أو عام ١٩٣٧م على الأكثر. وإستنتاجنا هذا يستند على معرفتنا أن آل زينل قد سكنوا البيت عام ١٩٤٠م حسبما رواه لي الأخ محمد أحمد يوسف زينل.

في خلال الفترة ما بين عامي ١٩٢٦م و ١٩٣٦م إستجدت على الأرض، في الواجهة الشمالية بالذات، عدة معالم مشهورة هي من الشرق إلى الغرب:
  • قواعد بيت الشيخ يوسف زينل.
  • بيت الشريف عبد الإله مهنا الثالث
  • بيت باجنيد
  • مقر القنصلية الهولندية

كما يظهر في الصورة آخر باب من أبواب السور والمعروف بإسم  "باب جديد" في مواجهة الركن الشمالي الشرقي للحوش الواقع على الواجهة شمال بيت الهزازي. كما أن الآثار على شارع الملك عبد العزيز تدل على زيادة حركة المركبات عليه وذلك ناتج عن إنشاء هذا الباب. وفي نفس الوقت نرى أثار عمار في الكدوة نعتقد أنها تعود لمبنى السجن.






صورة رقم ٣ - صورة جوية مائلة تظهر فيها الواجهة الشمالية للبلد و الكدوة وباب المدينة وباب جديد عام ١٩٤٨م (من أرشيف أرامكو)

التغييرات التي طرأت على الواجهتين الشمالية والشرقية خلال الفترة من ١٩٣٦م وحتى ١٩٤٨م من واقع الصورة رقم (٣):

يمكن تلخيص التغيير الذي طرأ على الواجهة الشمالية فيما يلي:
  • إستكمال  بناء بيت الشيخ يوسف زينل في عام ١٩٤٠م وقد سكن فيه الشيخ يوسف وأبنائه لفترة قصيرة ثم أستأجرته شركة أرامكو ليكون مقرا لها في جدة.
  • تلاشي دور باب المدينة وصعود دور باب جديد في الحركة بين البلد و المناطق الشرقية، بما في ذلك مكة المكرمة، والشمالية خارج السور.

أما بالنسبة للواجهة الشرقية فلا يوجد تغيير يذكر سوى أن منطقة الكدوة قد نظفت ومبنى السجن قد إكتمل.