مسار الجزء الغربي من السور
مقدمة
في خلال السنوات القليلة الماضية طفت على سطح الحراك الثقافي والإجتماعي في مدينة جدة ظاهرة الكتابة عن تاريخها ونشر صور قديمة وحديثة للمنطقة التاريخية والدعوة إلى المحافظة على تراثها العمراني سواء في مؤلفات مطبوعة أو مقالات في الصحف اليومية أو على صفحات أوساط التواصل الإجتماعي وخصوصا "الفيسبوك". وللأسف الشديد أن في بعض ما يكتب أو يعرض ترد أخطاء تاريخية سببها نقل معلومات خاطئة من مصادر غير معروف عنها الدقة في توثيق ما تذكره من معلومات أو ما تعرضه من صور قديمة وحديثة وهي إن دلت فإنما تدل على غياب المنهجية العلمية في التأكد من صحة مايكتب عن تاريخ مدينة جدة وما يعرض من صور قديمة للمنطقة التاريخية وتوثيق مراجع المعلومات أو الصور التي يتم نشرها. وهذه ظاهرة لو تركت بدون مراجعة أو تصحيح لأختلط الأمر على الجيل الحاضر والأجيال القادمة ولضاعت معالم الإرث الحضاري الذي خلفه لنا الآباء والأجداد.
موضوع هذه المقالة
موضوع هذه المقالة هوعن مسار الجزء الغربي من السور وعلى وجه الخصوص الجزء الجنوبي منه والذي فيما يبدو أن هناك بعض اللبس بشأنه من واقع ما ورد في بعض المؤلفات الأجنبية والمحلية التي يجري تبادلها محليا دون إدراك لبعض الأخطاء فيها. ونخص بالذكر هنا خريطة ناللينو (شكل رقم ٣) وخريطة جدة القديمة (شكل رقم ٤) أدناه. وبداية نذكر نبذة مختصرة عن تاريخ بناء السور وحالته في مطلع أربعينات القرن العشرين الميلادي.
سور جدة وبواباته في مطلع أربعينات القرن العشرين الميلادي
بقيت جدة حتى عام ١٣٥٩هـ ( ١٩٤٠م) على وجه التقريب داخل سور يحيط بها من جهاتها الأربعة إحاطة السوار بالمعصم أمر ببنائه السلطان أبو النصر قانصوه الأشرف الغورى الجركسي الجنس وهو آخر سلاطين المماليك البرجية في مصر عام ٩١٧هـ (١٥٠٩م) لحمايتها من غارات الغزاة البرتغاليين في سعيهم إلى السيطرة على الملاحة في البحر الأحمر. وكلف السلطان أحد قادته المدعو سعيد الكردي بالمهمة والذي قام بتسخير الأهالي، أكابرهم وصغارهم، لبناء السور. وتخلل السور حتى بداية العهد السعودي (٧) بوابات ربطت جدة بالعالم خارجه. ومن المؤكد أن هذه البوابات السبعة بنيت على مراحل وفق الحاجة. وفي بداية العهد السعودي أضيفت بوابة ثامنة مزدوجة بعرض كاف يسمح بمرور السيارات عبرها بسهولة على الجزء الشمالي من السور. ومن بين بوابات السورالثمانية هناك ٤ بوابات تقع على الجزء الغربي من السور الذي إمتد من مبنى البحرية في الركن الشمالي الغربي من السور وإلى نقطة تلاقيه مع الجزء الجنوبي شرق الموقع الحالي لبرج الحاج عبد الله علي رضا وشركاه مباشرة على وجه التقريب. وبينما بقيت الأجزاء الجنوبية والشرقية والشمالية على حالها حتى عام ١٩٤٧م عندما هدم السور بأكمله فإن الجزء الغربي من السور تعرض إلى تغييرات عدة وعلى مراحل أولها فتح الجزء الغربي من شارع الملك عبد العزيز ربما في نهائيات ثلاثينات وبداية أربعينات القرن الميلادي الماضي، وإزالة أجزاء كبيرة منه، خاصة في النصف الجنوبي لتسهيل حركة التنقل بين البلد والمنشآت الحكومية القائمة على الساحل (البنط والكرنتينا وخفر السواحل).
مسارالجزء الغربي من السور
يظهر مسار الجزء الغربي من السور في العقد التاسع من القرن التاسع عشر الميلادي (حوالي عام ١٨٨٤م) في الخارطة المبينة في الشكل رقم (١) أدناه باللون الأحمر والتي تفضلت الدكتورة إولريكي فريتاج (Ulrike Freitag ) مديرة مركز الدراسات الشرقية الحديثة في معهد الدراسات الإسلامية بجامعة برلين الحرة بتزويدنا بنسخة منها. كما يظهر هذا المسار في كروكي رسم عام ١٩٣١م وهو من ضمن مجموعة الأوراق الخاصة للسير أندرو رايان (Sir Andrew Ryan) المحفوظة في مركز الشرق الأوسط بكلية سانت أنتوني بجامعة أكسفورد. وكما هو واضح في الشكلين رقم (١) ورقم (٢) أن مسار الجزء الغربي من السور ما بين مركز البحرية شمال جدة ونقطة إلتقائه بالجزء الجنوبي من السور يتخذ شكل الحرف اللاتيني (S) المنبسط ويتفق مع التفاصيل الظاهرة في الصورة الجوية المائلة لمدينة جدة عام ١٩٣٨م المبينة أدناه. إلا أنه لابد من الإشارة هنا أن موقع الجازخانة (Petrol Store) الظاهر في شكل رقم (٢) خارج السور (■) هو موقع خاطئ والأقرب إلى الواقع هو الموقع المبين في الشكل رقم (١) بإسم (Ghazhane) والظاهر في الصورة الجوية لجدة عام ١٩٣٨م (▼). ونود أن نكرر هنا أن هذا البحث ينصب أساسا على مسار الجزء الغربي من السور فقط وذلك على ضوء ما نتذكره وما ورد في الوثائق الثلاثة المبينه أدناه.
|
شكل رقم ٢- رسم كروكي لأهم معالم جدة عام ١٩٣١م |
|
شكل رقم ١- مخطط جدة حوالي عام ١٨٨٤م |
مخطط ناللينو (شكل رقم ٣)
|
شكل رقم ٣- مخطط جدة - ناللينو عام ١٩٣٨م |
ورد هذا المخطط في كتاب ألفه المسستشرق الأيطالي السيد/ كارلو ألفونسو ناللينو (C. A. Nallino) بعنوان "L'Arabia Saudiana" بعد زيارة قام بها للمملكة عام ١٩٣٨م إستغرقت شهرين وتوفي بعدها بحوالي (٤) شهور. وقامت إبنته ماري ناللينو بمراجعة مسودة الكتاب ونشره. وفي هذا المخطط يظهر الجزء الشمالي لمسارالسور غير مكتمل كما يظهر الجزء الجنوبي مرتبطا بساحة البنط وهو وضع غير صحيح كما هو واضح في الصورة الجوية أعلاه حيث تظهر منشئات البنط (
X) إلى الغرب من مسار السور.