سور جدة وبواباته في القرن العشرين الميلادي
بقيت جدة حتى عام ١٣٦٦هـ ( ١٩٤٧م) داخل سور يحيط بها من جميع جهاتها إحاطة السوار بالمعصم أمر ببنائه السلطان أبو النصر قانصوه الأشرف من بيبردى الغورى الجركسي الجنس وهو آخر سلاطين المماليك البرجية في مصر عام ٩١٧هـ (١٥٠٩م) لحمايتها من غارات الغزاة البرتغاليين في سعيهم إلى السيطرة على الملاحة في البحر الأحمر. وكلف أحد قادته، سعيد الكردي، بالمهمة والذي قام بتسخير الأهالي، أكابرهم وصغارهم، لبناء السور. وتخلل السور (٧) بوابات ربطت جدة بالعالم خارجه. ومن المؤكد أن هذه البوابات السبعة قد بنيت على مراحل وفق الضرورة. والمعروف أن هذه البوابات في الفترة الأخيرة للعهد الهاشمي كانت تقفل بعد صلاة العشاء مباشرة وتفتح عند الأذان الأول لفجر اليوم التالي، إلا أن هذا الإجراء ألغي العمل به في مطلع العهد السعودي. وبسبب ضيق بوابة المدينة أضيفت في بداية العهد السعودي بوابة ثامنة مزدوجة بعرض كاف يسمح بمرور السيارات عبرها بسهولة على الجانب الشمالي للسور.
ويصبح توزيع هذه البوابات الثمانية على محيط السورعلى النحو التالي:
الشمال: باب المدينة وباب جديد.
الشرق: باب مكة.
الجنوب: باب شريف.
الغرب: (من الجنوب إلى الشمال) باب النافعة، باب الصبة، باب المغاربة وباب صريف. وهناك باب صغير نسبيا يقع شمال الجازخانة مباشرة على موقع المبنى الذي بني ليكون مقرا لوزارة المالية والذي أصبح فيما بعد أول مقر لمؤسسة النقد. هذا الباب كان خاصا بجنود برج المشورة الذي كان قائما خلف السور مباشرة، وذلك حسب ما ذكره الأستاذ محمد درويش رقام.
وسنشرح، ببعض التفصيل، فيما يلي عن هذه البوابات الثمانية كما نذكر وضعها في مطلع العقد الرابع الميلادي من القرن الميلادي الماضي وقبيل هدم السور عام ١٩٤٧م (١٣٦٦هـ) بدءا بباب المدينة شمالا وفي إتجاه دوران عقرب الساعة:
أولا: السور الشمالي
يشمل السور الشمالي بابي المدينة وباب جديد وهو باب مزدوج بني في العهد السعودي ليتسع لمرور السيارات في دخولها وخروجها من البلد.
باب المدينة: ويقع شمال حديقة مقر القائمقام في حارة الشام والذي هدم في تاريخ لاحق، المواجهة لبيت باجنيد من جهة الشرق والذي عرف في ذلك الوقت بإسم "بيت أمريكاني" لأنه كان مقرا وسكنا لمندوب شركة كاسوك (أرامكو فيما بعد) ويفصل بين الحديقة والبوابة شارع عريض أصبح فيما بعد جزءا من شارع الملك عبد العزيز الدائري. وكانت هذه البوابة تستخدم للوصول إلي "القشلة" وهي الثكنة العسكرية القائمة حتى يومنا هذا وللمسافرين إلى المدينة المنورة والقادمين منها وكذلك للمسافرين إلى مكة المكرمة والقادمين منها وذلك لتعذر إنتقال القوافل من المنطقة الغربية لمدينة جدة إلى باب مكة. كما كان باب المدينة يستخدم لمرور العربات المحملة بالحجارة المستخرجة من المناقب الواقعة شمال مدينة جدة والطين المستخرج من بحر االطين أو ما أصبح يعرف ببحيرة الأربعين والمستخدم في بناء بيوت جدة في ذلك الوقت.
منظر باب المدينة من شرفة المستشارية البريطانية |
باب جديد: بنيت في مطلع العهد السعودي - ربما في نهاية الثلاثينات أو بداية الأربعينات الميلادية - وهي آخر البوابات التي بنيت على السور. وتقع في القطاع الشمالي من السور، شرق بوابة المدينة، في مواجهة بيت الهزازي. وهي عبارة عن بوابة مزدوجة تتسع كل واحدة منها لمرور السيارات بسهولة ويسر.
منظر باب جديد من خارج السور ويبدو بيت الشريف عبد الإله مهنا على اليسار (المصدر: د. زاهر عثمان) |
ثانيا: السور الشرقي
يشمل السور الشرقي بوابة ثلاثية واحدة فقط هي باب مكة.
باب مكة: بوابة جدة الشرقية وتقع أمام سوق البدو و تنفذ إلى أسواق الحراج والحلقات الواقعة خارج السور، كما كانت أيضا معبرا للجنائز المتجهة إلى مقبرة الأسد الواقعة في تلك الناحية خارج السور.
منظر باب مكة من خارج السور عام ١٩٣٧م |
ثالثا: السور الجنوبي
ويشمل بوابة واحدة وهي باب شريف
باب شريف: بوابة جدة الجنوبية وتقع أمام برحة العقيلي. يخرج منها الأهالي للتبضع من حراج العصر خارجه، أو قاصدين "قوز" الهملة (بفتح الهاء وتسكين النون)، وهي تبة مرتفعة، والذي كان متنفسا لأهالي جدة خاصة كبار السن منهم حيث يطل الجالس اعلاه على منظر بديع لبرحة باب شريف وحراج العصر. كما أنها كانت معبرا يربط أحياء بيشة وبرة ونكتو بالبلد.
منظر باب شريف من داخل السور عام ١٩١٨م |
منظر باب شريف من خارج السور |
رابعا: السور الغربي
ويشمل على ثلاثة آبواب رئيسية هي باب النافعة وباب الصبة وباب المغاربة وباب ثانوي هو باب صريف.
باب النافعة: ويعرف أيضا بإسم باب الفرضة وهو أول بوابات السور الغربي الرئيسية من ناحية الجنوب، وليس أقدمهم، وموقعه في الجزء الجنوبي من موقع برج المحمل المواجه لمركز المحمل التجاري على شارع الملك عبد العزيز. وكان معبرا للعاملين في البنط والبحر وجلهم من سكان حارتي البحر واليمن.
منظر باب النافعة من خارج السور وخلفه مجمع المشورة |
باب الصبة: ثاني بوابات السور الغربية ومن أهمها، وموقعه هو مدخل سوق البنط (برحة مسجد عكاش) من ناحية ساحة البنط غربا (حاليا بين عمارتي الأمير منصور التي أزيلت إحداهما مؤخرا). وسمي باب الصبة لأن الحبوب المستوردة كانت تصب عنده حيث تنقي وتوضع في أكياس تم توزن بواسطة القباني تمهيدا لنقلها لمستودعات التجار. وترجع أهمية باب الصبة في وقته من انه كان محاطا بعدة إدارات حكومية هامة مثل (البلدية) شمالا و إدارتي البريد والبرق ومخفر للشرطة جنوبا منه وفوقه المحكمة.
الواجهة الشرقية لباب الصبة - مسجد عكاش على اليمين وحوش أبو زيد على اليسار |
باب المغاربة: ثالث بوابات السور الغربية وموقعه جنوب عمارة الجفالي مباشرة على شارع الملك عبد العزيز حاليا. وكان هذا الباب قبل فتح الجزء الغربي لشارع الملك عبد العزيز في منتصف أربعينات القرن الميلادي الماضي هو المخرج الوحيد للحجاج القادمين عن طريق البحر للتوجه إلى كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة عبر باب المدينة.
منظر باب المغاربة من زقاق الوشكلي |
باب صريف: باب فرعي في السور الغربي وموقعه بين مبني فندق البحر الأحمر وعمارة الصالحية (الفيصلية) حاليا وعرف أيضا بإسم "باب الأربعين" ولا نعرف مصدر هذين الأسمين.
منظر باب صريف من شرفة سكن المبعوث البريطاني (بيت البلد حاليا) |
سكن المبعوث البريطاني (بيت البلد حاليا) |
منظر باب صريف من خارج السور |